فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}.
قرأ عاصم وحمزة: {ايتوني} بمعنى جيئوني، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي {آتوني} بمعنى أعطوني، وهذا كله إنما هو استدعاء إلى المناولة، لا استدعاء العطية والهبة، لأنه قد ارتبط من قوله إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق الاستدعاء المناولة، وإعمال القوة، و{ايتوني}: أشبه بقوله: فأعينوني بقوة، ونصب الزبر به على نحو قول الشاعر:
أمرتك الخير

حذف الجار فنصب الفعل وقرأ الجمهور: {زبَر} بفتح الباء، وقرأ الحسن بضمها، وكل ذلك جمع زبرة، وهي القطعة العظيمة منه، والمعنى: فرصفه وبناه، حتى إذا ساوى بين الصدفين، فاختصر ذلك لدلالة الظاهر عليه، وقرأ الجمهور: {ساوى} وقرأ قتادة: {سوى}، والصدفان: الجبلان المتناوحان، ولا يقال للواحد صدف وإنما يقال صدفان لاثنين لأن أحدهما يصادف الآخر، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {الصَّدَفين} بفتح الصاد وشدها وفتح الدال، وهي قراءة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {الصُّدفين} بضم الصاد والدال، وهي قراءة مجاهد والحسن، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال، وهي قراءة أبي رجاء وأبي عبد الرحمن وقرأ الماجشون بفتح الصاد وضم الدال، وقراءة قتادة: {بين الصَّدْفين}، بفتح الصاد وسكون الدال، وكل ذلك بمعنى واحد: هما الجبلان المتناوحان، وقيل الصدفان: السطحان الأعليان من الجبلين، وهذا نحو من الأول، وقوله: {قال انفخوا} إلى آخر الآية معناه أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها، حتى تحمى، ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو الرصاص أو بالحديد، بحسب الخلاف في القطر، فيفرغه، على تلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد استأنف وصف طاقة أخرى، إلى أن استوى العمل، وقرأ بعض الصحابة: {بقطر أفرغ عليه}، وقال أكثر المفسرين: القطر: النحاس المذاب، ويؤيد هذا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال كيف رأيته؟ قال رأيته كالبرد المحبر: طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأيته»، وقالت فرقة القطر: الرصاص المذاب، وقالت فرقة الحديد المذاب، وهو مشتق من قطر يقطر، والضمير في قوله: {استطاعوا} لـ: {يأجوج ومأجوج} [الكهف: 94]، وقرأت فرقة {فما اسْطاعوا} بسكون السين وتخفيف الطاء، وقرأت فرقة بشد الطاء، وفيها تكلف الجمع بين ساكنين و{يظهروه} معناه: يعلونه بصعود فيه، ومنه في الموطأ: والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، {وما اسطاعوا له نقبًا} لبعد عرضه وقوته ولا سبيل سوى هذين إما ارتقاء وإما نقب، وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسين فرسخًا، وروي غير هذا مما لا ثبوت له، فاختصرناه، إذ لا غاية للتخرص، وقوله في هذه الآية {انفخوا} يريد بالأكيار، وقوله: {اسطاعوا} بتخفيف الطاء، على قراءة الجمهور قيل هي لغة بمعنى استطاعوا وقيل بل استطاعوا بعينه، كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء، فقالوا: {اسطاعوا}، وحذف بعضهم منه الطاء فقال: {استاع} يستيع بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة وقرأ حمزة وحده {فما اسطّاعوا} بتشديد الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش: {فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا} بالتاء في الموضعين، وقوله: {هذا رحمة} الآية القائل: ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقرأ ابن أبي عبلة {هذه رحمة}، والوعد: يحتمل أن يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {دكًا} مصدر دك يدك إذا هدم ورض، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {دكاء} بالمد، وهذا على التشبيه بالناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره جعله مثل دكاء، وأما النصب في {دكًا} فيحتمل أن يكون مفعولًا ثانيًا لـ: جعل، ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق، وينصب {دكًا} على الحال، وكذلك أيضًا النصب في قراءة من مد يحتمل الوجهين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {آتوني زُبَرَ الحديد}.
قرأ الجمهور: {ردمًا آتوني} أي: أعطوني، وروى أبو بكر عن عاصم: {ردمٍ ايتوني} بكسر التنوين، أي: جيئوني بها، قال ابن عباس: احملوها إِليَّ، وقال مقاتل: أعطوني، وقال الفراء: المعنى: إِيتوني بها، فلما ألقيت الياء زيدت ألف.
فأما الزُّبُر، فهي: القِطَع، واحدتها: زُبْرَة؛ والمعنى: فأَتَوه بها فبناه، {حتى إِذا ساوى} وروى أبان {إِذا سوَّى} بتشديد الواو من غير ألف، قال الفراء: ساوى وسوَّى سواء.
واختلف القراء في {الصَّدَفَين} فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {الصُّدُفَين} بضم الصاد والدال، وهي: لغة حِمْيَر.
وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم: {الصُّدْفين} بضم الصاد وتسكين الدال.
وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف، بفتح الصاد والدال جميعًا، وهي لغة تميم، واختارها ثعلب.
وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، وابن يعمر: {الصَّدُفين} بفتح الصاد ورفع الدال. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران، والزهري، والجحدري برفع الصاد وفتح الدال.
قال ابن الأنباري: ويقال: صُدَف، على مثال نُغَر، وكل هذه لغات في الكلمة.
قال أبو عبيدة: الصَّدَفان: جَنْبا الجبل.
قال الأزهري: يقال لجانبي الجبل: صَدَفان، إِذا تحاذيا، لتصادفهما، أي: لتلاقيهما.
قال المفسرون: حشا ما بين الجبلين بالحديد، ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم، ووضع عليها المنافيخ، ثم {قال انفخوا} فنفخوا {حتى إِذا جعله} يعني: الحديد، وقيل: الهاء ترجع إِلى ما بين الصدفين {نارًا} أي: كالنار، لأن الحديد إِذا أحمي بالفحم والمنافيخ صار كالنار، {قال آتوني} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: {آتوني} ممدودة؛ والمعنى: أعطوني.
وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: {إِيتوني} مقصورة؛ والمعنى: جيئوني به أُفرغه عليه. وفي القِطْر أربعة أقوال.
أحدها: أنه النحاس، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والفراء، والزجاج.
والثاني: أنه الحديد الذائب، قاله أبو عبيدة.
والثالث: الصُّفْر المُذاب، قاله مقاتل.
والرابع: الرصاص، حكاه ابن الأنباري.
قال المفسرون: أذاب القِطْر ثم صبَّه عليه، فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلًا صلدًا من حديد وقِطْر.
قال قتادة: فهو كالبرد المحبر، طريقة سوداء وطريقة حمراء.
قوله تعالى: {فما اسطاعوا} أصله: فما استطاعوا فلما كانت التاء والطاء من مخرج واحد أحبُّوا التخفيف فحذفوا.
قال ابن الأنباري: إِنما تقول العرب: اسطاع، تخفيفًا، كما قالوا: سوف يقوم، وسيقوم، فأسقطوا الفاء.
قوله تعالى: {أن يَظْهَروه} أي: يعلوه؛ يقال: ظهر فلان فوق البيت: إِذا علاه، والمعنى: ما قدروا أن يعلوه لارتفاعه وامِّلاسه {وما استطاعوا له نقبًا} من أسفله، لشدته وصلابته.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إِن يأجوج ومأجوج ليَحفرون السدَّ كل يوم، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدًا، فيعودون إِليه، فيرونه كأشد ما كان، حتى إِذا بلغت مدتهم، وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس، حفروا، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستحفرونه غدًا إِن شاء الله، ويستثني، فيعودون إِليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس» وذكر باقي الحديث؛ وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب الحدائق فكرهت التطويل هاهنا.
قوله تعالى: {قال هذا رحمة من ربِّي} لمّا فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا.
وفيما أشار إِليه قولان.
أحدهما: أنه الرَّدم، قاله مقاتل؛ قال: فالمعنى: هذا نِعْمة من ربِّي على المسلمين لئلا يخرجوا إِليهم.
والثاني: أنه التمكين الذي أدرك به عمل السد، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {فإذا جاء وعد ربِّي} فيه قولان.
أحدهما: القيامة.
والثاني: وعده لخروج يأجوج ومأجوج.
قوله تعالى: {جعله دكًّا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {دكًّا} منونًا غير مهموز ولا ممدود. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {دكّاء} ممدودة مهموزة بلا تنوين. وقد شرحنا معنى الكلمة في [الأعراف: 143].
قوله تعالى: {وكان وعد ربي حقًا} أي: بالثواب والعقاب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الحديد} أي أعطوني زبر الحديد وناولونيها.
أمرهم بنقل الآلة، وهذا كله إنما هو استدعاء العطية التي بغير معنى الهبة، وإنما هو استدعاء للمناولة، لأنه قد ارتبط من قوله: إنه لا يأخذ منهم الخرج، فلم يبق إلا استدعاء المناولة، وأعمال الأبدان.
و{زُبَرَ الحديد} قطع الحديد.
وأصل الكلمة الاجتماع، ومنه زُبْرة الأسد لما اجتمع من الشعر على كاهله.
وزبرت الكتاب أي كتبته وجمعت حروفه.
وقرأ أبو بكر والمفضل {ردما ايتوني} من الإتيان الذي هو المجيء؛ أي جيئوني بزبر الحديد، فلما سقط الخافض انتصب الفعل على نحو قول الشاعر:
أَمَرْتُكَ الخيرَ

حذف الجار فنصب الفعل.
وقرأ الجمهور: {زُبَرَ} بفتح الباء.
وقرأ الحسن بضمها؛ وكل ذلك جمع زُبْرة وهي القطعة العظيمة منه.
قوله تعالى: {حتى إِذَا ساوى} يعني البناء فحذف لقوّة الكلام عليه.
{بَيْنَ الصدفين} قال أبو عبيدة: هما جانبا الجبل، وسميا بذلك لتصادفهما أي لتلاقيهما.
وقاله الزهري وابن عباس؛ كأنه يعرض عن الآخر؛ من الصدوف؛ قال الشاعر:
كلاَ الصَّدَفَين يَنْفُذُه سَنَاهَا ** تَوقَّدُ مثلَ مِصباحِ الظّلامِ

ويقال للبناء المرتفع: صدف تشبيه بجانب الجبل.
وفي الحديث: «كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي».
قال أبو عبيد: الصدف والهدف كل بناء عظيم مرتفع.
ابن عطية: الصَّدفَان الجبلان المتناوِحان ولا يقال للواحد صَدف، وإنما يقال صَدَفان للاثنين؛ لأن أحدهما يصادف الآخر.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي {الصَّدَفَيْنِ} بفتح الصاد وشدّها وفتح الدال، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبد العزيز، وهي اختيار أبي عبيدة لأنها أشهر اللغات.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {الصُّدُفين} بضم الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {الصُّدْفَيْنِ} بضم الصاد وسكون الدال، نحو الجُرْف والجُرُف.
فهو تخفيف.
وقرأ ابن الماجشون بفتح الصاد وضم الدال.
وقرأ قتادة {بين الصَّدْفَين} بفتح الصاد وسكون الدال، وكل ذلك بمعنى واحد وهما الجبلان المتناوِحان.
قوله تعالى: {قَالَ انفخوا} إلى آخر الآية أي على زبر الحديد بالأكيار، وذلك أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى تحمى، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار، فذلك قوله تعالى: {حتى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو بالرصاص أو بالحديد بحسب الخلاف في القطر، فيفرغه على تلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد ولصق البعض بالبعض استأنف وضع طاقة أخرى، إلى أن استوى العمل فصار جبلًا صَلْدًا.
قال قتادة: هو كالبُرْد المحبَّر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. ويروى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله إني رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال: كيف رأيته؟ قال: رأيته كالبُرْد المحبَّر، طريقة صفراء، وطريقة حمراء، وطريقة سوداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأيتَه» ومعنى {حتى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} أي كالنار.